كتبت روزاليند مارسدن، الزميلة في برنامج إفريقيا، أن الحرب الدائرة منذ أكثر من عامين ونصف بين القوات المسلحة السودانية بقيادة عبد الفتاح البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي) تهدد بتفتيت السودان وتفاقم أكبر أزمة إنسانية في العالم، حيث نزح أكثر من 14 مليون شخص.
ورغم ذلك لا يحظى السودان باهتمام دبلوماسي غربي كافٍ ولا بجهود دولية وإعلامية توازي حجم الكارثة. ترى مارسدن أن غياب الأولوية الغربية خطأ جسيم، لأن استمرار الحرب لا يعني فقط كارثة إنسانية، بل يهدد أيضاً أمن البحر الأحمر بسبب خطط إنشاء قاعدة بحرية روسية وتنامي النفوذ الإيراني في بورتسودان، إضافة إلى احتمال عودة السودان ملاذاً للجماعات الإرهابية ومصدراً لتزايد الهجرة غير النظامية نحو أوروبا.
يشير تقرير تشاتام هاوس إلى أن الحرب السودانية تجاوزت حدودها لتتحول إلى أزمة إقليمية تهدد استقرار الجوار وتخلق محور اضطراب يمتد من الساحل الإفريقي إلى القرن الإفريقي والشرق الأوسط. لكن القضية لا تقتصر على حسابات الجغرافيا السياسية، إذ تخوض الأطراف المتحاربة حرباً مضادة للثورة بهدف دفن مكتسبات انتفاضة 2018–2019 السلمية ومنع أي تحول ديمقراطي حقيقي. الحرب تتجذر في تاريخ السودان الطويل من عسكرة السياسة والاقتصاد، وثلاثة عقود من الحكم الإسلامي وثقافة الإفلات من العقاب، وهي العوامل التي دفعت البرهان وحميدتي إلى تنفيذ انقلاب أكتوبر 2021 الذي أطاح بالانتقال الديمقراطي ومهّد للحرب الحالية.
تؤكد مارسدن أن الفظائع الواسعة التي ترتكبها الأطراف، واستخدام خطاب الكراهية والتضليل، زادت الاستقطاب المجتمعي وجذبت قطاعات من السكان للانحياز إلى أحد المعسكرين. لكن روح الثورة لم تنطفئ، إذ يواصل الشباب والنساء الانخراط في العمل المدني عبر "غرف الطوارئ" التي تقود جهود الإغاثة في ظل غياب الدولة والمساعدات الدولية. على المستوى الوطني يبرز تحالف "صمود" بقيادة رئيس الوزراء السابق عبد الله حمدوك باعتباره أوسع تجمع مدني يسعى إلى بناء دولة قائمة على العدالة والمواطنة المتساوية والديمقراطية. غير أن الانقسامات بين القوى المدنية ما زالت قائمة، ما يتطلب توحيد الصفوف لمواجهة السلاح بكلمة واحدة، وإقناع المجتمع الدولي بجدية المشروع المدني.
تشدد الكاتبة على أن أصوات المدنيين غابت عن جهود الوساطة الدولية التي تعثرت بسبب انعدام التنسيق وضعف النفوذ، إضافة إلى انحياز بعض الوسطاء. مؤتمر لندن في أبريل لم يحقق زخماً جديداً نتيجة الخلاف بين الدول العربية الداعمة للطرفين؛ مصر والسعودية تمسكتا بموقف مؤيد للجيش، فيما رفضت الإمارات ذلك، مما أدى إلى تعطيل مسعى واشنطن لعقد اجتماع وزاري في يوليو. ترى مارسدن أن البحث عن تسوية سريعة عبر تقاسم السلطة بين البرهان وحميدتي سيكون وهماً، لأنه لن يفضي إلى سلام مستدام.
تبرز الكاتبة أهمية إعادة انخراط الولايات المتحدة في الملف السوداني، إذ تملك وحدها القدرة على الضغط على حلفائها الإقليميين لوقف دعمهم للوكلاء المتحاربين. وتلفت إلى أن احتمال عودة رموز النظام الإسلامي السابق إلى السلطة يجب أن يقلق الدول العربية المؤيدة لأحد الطرفين، لأن صعود جماعة الإخوان المسلمين يشكل تهديداً لأمنها الداخلي. وتؤكد أن التجربة السودانية منذ الاستقلال تثبت أن الحكم العسكري لا يجلب استقراراً، وأن استمرار الرهان الإقليمي على أمراء الحرب قد يطيل أمد الصراع لعقد كامل ويقسم البلاد، بما يضر بالمصالح الاقتصادية والأمنية لجيران السودان.
توضح مارسدن أن لقاءً جرى في سويسرا يوم 11 أغسطس بين الجنرال البرهان والمستشار الأميركي ماساد بُولوس بوساطة قطرية يعكس محاولات واشنطن دفع الأطراف نحو وقف إطلاق النار. لكن فرص النجاح تبدو محدودة مع استمرار الجانبين في إعادة التسليح والتجنيد والتدريب.
سعى البرهان إلى إحكام قبضته عبر ضم الميليشيات المساندة للجيش تحت قيادته المباشرة وإعادة ترتيب صفوف الإسلاميين داخل المؤسسة العسكرية، بينما كثّف حميدتي حصار قواته لمدينة الفاشر رغم دعوات الأمم المتحدة والدول المانحة لوقف إنساني يسمح بوصول المساعدات إلى السكان الجائعين.
خلصت مارسدن إلى أن إنهاء الحرب في السودان يجب أن يرتقي إلى أولوية قصوى لدى الغرب، ليس فقط لمنع تفكك البلاد وامتداد الفوضى إلى الإقليم، بل أيضاً لحماية مصالحه الاستراتيجية في البحر الأحمر وأمنه الداخلي. وترى أن دعم القوى المدنية وتوحيدها على قاعدة مشتركة يشكل السبيل الأوحد لإخراج السودان من حلقة العنف والانقلابات العسكرية، وإعادة مسار التحول الديمقراطي الذي طالب به الشعب السوداني منذ ثورته السلمية.
https://www.chathamhouse.org/2025/09/why-ending-war-sudan-should-be-higher-priority-west